كلمة الاستاذ محمد الدرويش رئيس مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة والعلوم في افتتاح الندوة الدولية حول موضوع : الماء و الطاقات المتجددة و التنمية المستديمة بمراكش أيام 23 - 25 فبراير 2023

أيها الحضور الكريم.

صباحكم سعيد وحللتم اهلا وسهلا وشكراً لكم بدءاً على حضوركم أشغال هاته الندوة الدولية تلبية لدعوة الجهات المنظمة .

أما بعد ،

نفتتح أشغال هاته الندوة المباركة بحضوركم ودعمكم واهتمامكم والمنظمة بأبعاد دولية تجسدت في مساهمة فاعلين اكاديميين و اجتماعيين و سياسيين من البرتغال و فرنسا و تونس و موريتانيا و ليبيا و مدن مغربية متعددة من فاس و اكادير و الرباط و القنيطرة و تطوان و مكناس و الدار البيضاء على ارض مراكش الحمراء و بمتحف الماء جوهرة المتاحف المغربية و العربية و الافريقية و حتى الغربية و الذي انشئ بمبادرة غير مسبوقة و قرار من السيد وزير الاوقاف و الشؤون الاسلامية الدكتور احمد التوفيق الاستاذ بكلية الاداب و العلوم الانسانية جامعة محمد الخامس بالرباط و الذي اشرف على تدشينه ولي العهد مولاي الحسن سنة 2017 و منذ ذلك و المتحف يطور علاقاته و تتعدد زياراته من قبل الطلاب و التلاميذ و السياح و الخبراء و الاساتذة الباحثين و ينفتح على الاكاديميين و مكونات المجتمع المدني و نود في هذا المقام ان نوجه تحية و تقدير خاصين لمديره الاستاذ الدكتور عبد النبي المندور الذي اثبت عن قدرات عالية في تسير و تدبير هاته المعلمة فهنيئا له و هنيئا للمتحف و موظفيه و مستخدميه به . اننا نلتقي على ارض مغربية افريقية عربية متوسطية ارض الانفتاح و تلاقح الثقافات و السلام والمحبة والأخوة والاطمئنان فمرحبا بضيوفنا الاعزاء من اوروبا و افريقيا .

ايتها السيدات ايها السادة اود باسم مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة و العلوم ان اضع هاته الندوة الدولية في سياقها الوطني و الدولي و المنظمة في موضوع:

و التنمية المستديمة الماء و الطاقات المتجددة

يواجه المغرب خلال السنوات الاخيرة محدودية الموارد المائية وعدم انتظامها في المكان والزمان.

اذ ان المغرب مع مرور الايام و السنون صار يعاني من تزايد الطلب على هاته المادة الحيوية و انعدام الترشيد في الاستعمالات مما تسبب ادى الى نقصان هاته الموارد و البدء في الاستغلال للثروات المائية الجوفية كما ان المملكة المغربية تاثرت بالانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية و بذلك نسجل انتقال هاته الموارد من 2500 متر مكعب للفرد الواحد سنويا سنة 1960 الى ما يقارب 600 متر مكعب اليوم . إضافة إلى كون النظام المائي بالمغرب يتميز بتناوب أعوام زاخرة بالأمطار والمياه ، وأخرى عجاف يطبعها جفاف حاد ، ويمكن أن تدوم لسنوات عديدة مثلما حدث بين 2015 و2020. فقد تم تسجيل ضعف شديد في حصيلة السدود منذ عام 2015 ؛ حيث سجلت هذه الحصيلة أضعف مستوياتها في أواخر شهر نونبر من سنة 2021؛ وهي نسبة 30 بالمائة . وهي اوضاع مقلقة تسائل الفاعلين و المسؤولين على هذا القطاع لإشكالات لا يبدو انها ستزول خلال الاعوام المقبلة بسبب آثار التغير المناخي الذي يشهده الكوكب الأرضي .
و لنا ان نعتز بالسياسة الحكيمة و الرشيدة لصاحب الجلالة المرحوم الحسن الثاني في بناء السدود بمنطق استباقي و استشرافي للأوضاع المتقلبة و الانعكاسات السلبية على المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و هي نفس السياسة التي اختارها جلالة الملك محمد السادس منذ توليه عرش اسلافه المنعمين و ذلك من خلال توجيهاته و قراراته الخاصة بالإشكال المائي و التقلبات المناخية كان اخرها ما جاء في خطبه يوم 14 اكتوبر 2022 خلال افتتاح الدورة البرلمانية من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة اذ قال حفظه الله
(( أولا: ضــرورة إطــلاق برامــج ومبــادرات أكثــر طموحــا ، واسـتثمار الابتـكارات والتكنولوجيـات الحديثـة ، فـي مجـال اقتصـاد المــاء ، وإعــادة اســتخدام الميــاه العادمــة. ثانيـا : إعطـاء عنايـة خاصـة لترشـيد اسـتغلال الميـاه الجوفيـة ، والحفــاظ علــى الفرشــات المائيــة ، مــن خــلال التصــدي لظاهــرة الضــخ غيــر القانونــي ، والآبــار العشــوائية . ثالثــا : التأكيــد علــى أن سياســة المــاء ليســت مجــرد سياســة قطاعيـة ، وإنمـا هـي شـأن مشـترك يهـم العديـد مـن القطاعـات. وهـو مــا يقتضــي التحييــن المســتمر، للاســتراتيجيات القطاعيــة ، علــى ضــوء الضغــط علــى المــوارد المائيــة ، وتطورهــا المســتقبلي.. رابعـا: ضـرورة الأخـذ بعيـن الاعتبـار، للتكلفـة الحقيقيـة للموارد المائيـة ، فـي كل مرحلـة مـن مراحـل تعبئتهـا ، ومـا يقتضـي ذلـك مـن شـفافية وتوعيـة ، بـكل جوانـب هـذه التكلفـة ))
وانسجاما مع المقتضيات الدستورية التي ثمنت دور الجماعات الترابية بوصفها فاعلا أساسيا في التنمية ، وتحديدا الجهة ، التي تحتل ، من بين مختلف الجماعات الترابية ، مكانة خاصة ، لا يبدو أن توفير مستديم للماء داخل البلد يمكن أن يحالفه النجاح بدون تعبئة منصفة وفعالة للموارد على مستوى الجهات. ولا يستقيم هذا الأمر إلا بفضل إعمال منهجية المشاركة والتنسيق والاستشارة بين مختف الفاعلين والمتدخلين من حكومة ، وجماعات ترابية ، ومجتمع مدني. ومادامت مشاريع التنمية تقتضي بالضرورة إعمال مقاربات نسقية و استباقية ، لا يمكن ، بأي حال ، الاستغناء عن الدور الذي يمكن أن يضطلع به الاساتذة الباحثون من مختلف العلوم والتخصصات بما فيها العلوم الاجتماعية ، التي من شأنها بناء نماذج تحليل يكون في وسعها توقع الأزمات وتجنب المخاطر.
من هذا المنطلق قررت مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة و العلوم في اطار سلسلة الندوات و اللقاءات التي تنظمها بشراكة مع جمعية جهات المغرب و باتفاق مع رئيستها السيدة امباركة بوعيدة و تعاون مع مجموعة من المؤسسات الوطنية – تنظيم هاته الندوة الدولية بالمدينة الحمراء مراكش في موضوع يؤرق المجتمع المغربي بكل مكوناته و مستويات مسؤولياته يناقش خلالها الاساتذة الباحثون و الخبراء من دول مختلفة البرتغال و فرنسا و تونس و ليبيا و موريتانيا و المغرب من مدن متعددة مراكش و الدار البيضاء و اكادير و تطوان و طنجة و القنيطرة و اسفي و فاس و مكناس و الجديدة و الرباط الموضوع من جوانب متعددة و هكذا يشاركنا اشغال الندوة هاته مختصون في الماء و الطاقات المتجددة بكل انواعها و التاريخ و الاقتصاد و المالية و علم الاجتماع و بذلك تكون الندوة متفردة و متميزة في معالجة قضايا موضوعها من زوايا متعددة و مختلفة .
و من حسن الطالع ان يتزامن اعلاننا عن الندوة بمكانها و توقيتها حتى علمنا ان الجهة عرفت تساقطات مطرية و ثلجية بلغت اكثر من 97 مليون متر مكعب بمعدل بلغ اكثر من 48 في المئة من معدل الملء مقارنة مع السنة الماضية .نتمنى ان تستمر التساقطات بكل جهات المملكة حتى نعود لزمن تكافئ التساقطات المطرية بها.
السيدات و السادة الافاضل
بصرف النظر عن طبيعة التساقطات المطرية اللامتكافئة بين مختلف مناطق المغرب وجهاته، يتعين على المغرب أن يجد حلولا للنمو الديمغرافي القوي الذي تشهده أقطابه الحضرية الكبرى مثل الدار البيضاء ومراكش وأكادير. إن ضمان وصول الماء الصالح للشرب إلى الصنابير وبجودة عالية ، ومحاربة جميع مصادر هدر المياه الصالحة للشرب يعتبر تحديا لكل المتدخلين في مسلسل إنتاج الماء وتوزيعه. ولكن ، حتى نتمكن من ترشيد استهلاكنا لهذا المورد الثمين، يبدو أن الأهم هو تحسيس المستهلك بأهمية اقتصاد الماء ، وجعله ينخرط بنشاط وحيوية في هذا الأمر، سواء كان هذا المستهلك فردا ، أو جماعة محلية ، او فلاحا ، أو مقاولة صناعية. فمسألة الماء يجب إدماجها في كل الجوانب المرتبطة بالتنمية السوسيو-اقتصادية ، ويجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من النقاش العمومي مع اعتماد سياسة تربوية تكوينية للمواطن من الاولي الى العالي من قبل القطاعات الحكومية المكلفة بمنظومة التربية و التكوين .
و رغم ان المغرب اليوم يتوفر على ما يقارب 140 سدا كبيرا يسع لما يناهز 18 مليار متر مكعب كما يتوفر على الالاف من الابار و الاثقاب لتعبئة المياه الجوفية كما ان امملكة المغربية توفقت في اكتساب خبرات بجودة عالية لاساتذة باحثين و خبراء مختصين و مهندسين و تقنيين تمكنوا من التحكم في الموارد المائية بانشاء خزانات كبرى للمياه فان الاجماع الوطني حاصل على ان موضوع الموارد المائية و الطاقات المتجددة و التنمية المستديمة المرجوة قضايا تهم حياة المواطنات و المواطنين اجتماعيا و اقتصاديا و الأمن المائي و الامن الغدائي متلازمان و ضروريان لكل تنمية مستديمة فالماء ضروري في الفلاحة حتى نضمن الامن الغدائي علما ان القطاع الفلاحي يستهلك ما يقارب 85 في المئة من حجم موارد المغرب المائية و و يظل اقل من 20 في المئة يسخر للصناعات و السياحة و الحياة الاسرية .
لكل ما ذكر و ما لم يذكر فالمطلوب اليوم اكثر من اي وقت مضى بكل مسؤولية و وطنية صادقة اعادة النظر في مقتضيات المخطط الاخضر و الحد بكل الوسائل المشروعة من كل مظاهر التبذير و الاستهلاك المبالغ فيه و غير الرشيد للموارد المائية و محاربة كل مظاهر التلوث مع التشبت بسياسة بناء السدود الكبرى و المتوسطة و الصغرى ضمانا لعدالة مجالية تساهم في تحقيق الامن الغدائي .
السيدات والسادة الافاضل ،
نناقش خلال يومين اثنين قضايا الماء و الطاقات المتجددة الخطة الوطنية المعتمدة من أجل التوفير المستديم للماء والتزود به ، من خلال المحاور التالية
// 1- تكيف الموارد المائية مع التغيرات المناخية
2- الماء والصناعة
3- NEXUS : الماء والطاقة والأمن الغذائي
4- تحلية مياه البحر: تبادل تجارب
5- الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية أخذا بالاعتبار مجموع الإشكالات التي تواجهنا في هذا المجال ، والاقتراحات التي تقدم من أجل كسب رهان
// ➢ مواصلة تطوير العرض وتعزيزه من خلال بناء سدود جديدة ، وربط مختلف الأنظمة الهيدروليكية فيما بينها ، وتأهيل الطرق غير التقليدية لإنتاج الماء ، وتحديدا تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير المياه العادمة ، وتصفية المياه المستعملة بحسب مقاربة مندمجة،
➢ تدبير الطلب على الماء بما يسمح واقتصاد هذه الثروة الطبيعية ، وتثمين الموارد المائية المستعملة، ➢ المحافظة على الموارد المائية والحاملات البيئية ، وتحسين تدبيرنا للكوارث المناخية ، خصوصا فيما يتعلق بحماية الساكنة والخيرات من الفيضانات أيتها السيدات ، أيها السادة الافاضل ؛
في ختام هاته الكلمة أود باسم مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم أن أوجه الشكر الخاص المشفوع بكل تقدير و احترام
للسيد وزير التجهيز و الماء الدكتور نزار بركة
وللسيد وزير الشباب و الثقافة و الاتصال المهدي بنسعيد
والسيد وزير الاوقاف و الشؤون الاسلامية الدكتور احمد التوفيق
و الى السيد عبد الالاه عفيفي الكاتب العام لقطاع الثقافة
و إلى جمعية جهات المغرب رئيستها السيدة امباركة بوعيدة وإدارة الجمعية
و السيد سمير كودار رئيس مجلس جهة مراكش اسفي و رئيس ديوانه
و شكرنا ممدود للسيد حسن احبيض رئيس جامعة القاضي عياض
كما اوجه الشكر للسيد مندوب الاوقاف بمراكش
و للسيد عبد النبي المندور مدير متحف محمد السادس لحضارة الماء بمراكش و لموظفي و مستخدمي المتحف .
و السيد محمد شتيوي مدير وكالة الحوض المائي بمراكش
و لا بد في هذا المقام ان اخص الزملاء الاساتذة بالذكر و الشكر و التقدير على مواكبتهم و مساعداتهم و جاهزيتهم
و نحن نستعد لتنظيم هاته الندوة الاساتذة ليلى ماندي و مونية بنغانم و لحسن بن عبيدات و الموساوي العجلاوي و جمال فزة و قبلهم الدكتور وائل بنجلون و جمال الدين هاني عميد كلية الاداب و العلوم الانسانية بالرباط ،
وشكرنا موجه للسادة والسيدات ممثلي المؤسسات الدستورية والقطاعات الحكومية والمجالس المنتخبة والسادة الزملاء السيدات والسادة الأساتذة الباحثين وتنظيمات المجتمع المدني الذين لبوا دعوتنا اعدادا وحضوراً ومساهمة علمية جدية مسؤولة ،
كما لا يفوتني أن أوجه الشكر لكل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة على متابعتها للأشغال وإذاعتها للخبر وحضورها
دون أن اغفل توجيه التحية والتقدير للزملاء أعضاء مؤسسة فكر.
مع المحبة و التقدير .
الرباط في 24 فبراير 2023